المرشد الافتراضي — مولاي إدريس زرهون و فاس
منظار الحضارة :
على تلال زرهون تظهر بداية واضحة لتكوّن هوية مغربية مستقلة.
المكان صغير، لكنه يحمل الفكرة التي ستتحول لاحقًا إلى مدينة واسعة النفَس: فاس.
من زرهون يمكن فهم منطق البداية؛
ومن فاس يمكن قراءة الامتداد العملي لتلك البداية.
ومعابر هذا الانتقال تضيئها إشارات تركها مولاي إدريس:
تنظيم الحياة، احترام المعرفة، وترتيب الشأن العام وفق حاجات الناس.
عند دخول فاس، يبرز هذا التنظيم في تفاصيل بسيطة لكنها دقيقة:
الأسوار تُعرّف الحدود،
الأبواب تُنظّم الدخول والخروج،
والأحياء تتوزع حسب الحِرف،
حتى يصبح المشي داخل المدينة مشيًا داخل خارطة اجتماعية واضحة.
في الأسواق، تظهر العلاقة القديمة بين الحرفة والمدينة.
الصناع يعملون بإيقاع مستقر،
من النحاس إلى الجلد،
ومن الخشب إلى الزرابي،
وكلّ حرفة تحافظ على أسلوبها كما لو أنها جزء من ذاكرة لا ترغب في التسرّع.
هذا الإيقاع يفسّر جانبًا من شخصية أهل فاس:
انشغال بالتفاصيل، ميل إلى الدقّة،
وتقدير للتنظيم حتى داخل أبسط المعاملات اليومية.
وفي المدارس والكتاتيب والجامع،
تبدو المدينة وكأنها تبني المجتمع من الأعلى والأسفل في آن واحد:
علم يهيّئ الفكرة،
وحِرف تهيّئ الحياة اليومية،
ومياه تُدار عبر قناطر وقنوات تُظهر اهتمامًا بأن تعيش المدينة على قاعدة واضحة لا على الفوضى.
من خلال هذا كله، يصبح مولاي إدريس مرشدًا لفهم فاس،
لا من جهة حضور شخصية تاريخية،
بل من جهة الطريقة التي تحوّل بها أثره إلى نمط حياة:
المدينة تُدار بحكمة،
والناس يشتغلون وفق نظام،
والعمران يترسخ كمرآة للهوية التي بدأت فوق تلال زرهون.
زرهون تضع البذرة.
فاس تمنحها جسدًا اجتماعيًا وعمرانيًا.
والنتيجة مدينة تستطيع أن تُعرّف نفسها من خلال أسواقها، حِرَفها، وأخلاق أهلها.